أول شهيد في المسيحية
الشماس استفانوس
الراهب آشور ياقو البازي
المقدمة :
لقد تأصل الإنجيل في العالم في المواضع التي ارتوت بدماء الشهداء، وقبل أن يقدر انسان أن يقدم حياته من اجل الكلمة لا بد أولاً أن يحيا حياته من اجل كلمة الله. ومن الطرق التي يدرب بها الله خدامه هي أن يضعهم في مراكز تافهة وبسيطة. حيث تترجم رغبتهم في خدمة المسيح إلى خدمتهم العملية للآخرين. وقد كان استفانوس إدارياً ممتازاً وصاحب رسالة، قبل أن يصبح شهيداً، وكان استفانوس، إلى جانب حسن إدارته وحكمته، خطيباً مفوهاً بليغاً، فعندما قوبل استفانوس بجماعات مختلفة من المعارضين كان منطقه في الرد عليهم مفحماً ومقنعاً، وهذا واضح من الدفاع الذي أدلى به أمام المجلس السنهدريمي. فقد عرض موجزاً لتاريخ اليهود متخذاً منه تطبيقات قوية أصابت مستمعيه في مقتله, ولا بد أن استفانوس كان يعلم، وهو يعرض دفاعه، انه ينطق بحكم الموت على نفسه. ولم يقدر أعضاء المجلس المجتمعون أن يحتملوا كشف دوافعهم الشريرة، ولذلك رجموه بالحجارة حتى الموت، بينما كان يصلي طالباً لهم الغفران. وتبين كلماته الاخيرة كيف صار شبيهاً بالمسيح في وقت قصير. وقد كان لموت استفانوس أثر فعال مستمر على الشاب شاول ( بولس ) الطرسوسي الذي تحول من مضطهد عظيم للمسيحيين إلى واحد من ابطال الانجيل العظماء الذين عرفتهم الكنيسة. ان حياة استفانوس تحد مستمر لكل المسيحيين. ولانه كان أول من مات شهيداً من اجل الايمان.
كانت الحياة المسيحية في استفانوس بسيطة. خالية من التكلف والتصنع، ومن الاهمية بمكان كبير أن أول شهيد وابرز مسيحي في العهد الجديد كان علمانياً. لم يكن استفانوس واحداً من ( الاثني عشر ) بل واحداً من ( السبعة ). ان اسم استفانوس يعني ( تاج ) أو ( اكليل ) وليس من السهل ان نعلم الكثير عنه خارج ما كتب في سفر اعمال الرسل.
هو اول جندي من جنود المسيح فاز بالتاج أو الاكليل، فما اسرع ما نراه كومضة من النور الباهر في احشاء الظلام. أو كالبرق الذي يلمع في الليل الحالك، ويترك نوره أثراً في الكيان والذاكرة، مع انه مر بالتاريخ والكنيسة مثل هذه الومضة، إلا ان وهج حياته القصيرة. عاش ويعيش خالداً على مدى مر الايام !!.
ان اهم الاعمال والصفات الشخصية والنقاط الاساسية التي تميز بها الشماس استفانوس هي كما يلي :
1 - إنه الرجل الذي جعل قيمة لما لا قيمة له :
ليس المهم ماهية العمل بل الكيفية التي تعمل بها. أي الروح التي تشتغل بها. في وسعك ان تقوم بالعظائم بطريقة صغيرة، وبالصغائر بطريقة كبيرة. كان استفانوس عظيماً ليس في ما قام به من أعمال بل في الكيفية التي عمل بها. فالروح التي تقوم بها بعمل ما، هي العبير الذي يحيط بالعمل، ويجعل للعمل رائحته الزكية أو الرديئة.
كان عمل استفانوس ( خدمة الموائد )، ولكنه قام بعمله بطريقة جعل فيه ( خدمة الموائد ) أقرب شيء لمائدة الرب. أي ان تلك الموائد ضمت حولها اناسا مختلفي القوميات لياكلوا خبزاً أصبح في آخر الامر بمثابة خبز الحياة. كان استفانوس شماساً فصار شعلة نوراً لجميع الاجيال ولا سيما في امور الحياة العادية.
2 - كان مستقيماً :
عندما كان استفانوس يبصر يتيماً ينحني عليه في رقة وحنان، ولا يرى ارملة تبكي، دون أن تذرف عيناه دموعاً لتعاستها وآلامها، ولا يمكن أن يبصر جائعاً يتلوى من الجوع دون أن يطعمه ويشبعه.
كان استفانوس مستقيماً، ونـزيهاً، وعل حد قول سفر الاعمال " مشهوداً له " ( 6 : 3 ) وهذه صفة جوهرية. لان ما من شيء يعوض عن النقص في الاستقامة والسمعة، وما من مقدار من ( الفضائل الخيالية ) أو ( الروحانية الخيالية ) يمكن ان يحل محل الخلق البسيط المستقيم.
ان السؤال الاهم حول خلق أي انسان. هو هل ثمة ظروف يمكن ان يكذب فيها هذا الانسان ؟ ان كان الامر كذلك فالمعنى ان هناك دودة تنخر قلبه. أم قال يسوع : " ان لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق ؟ " ( لوقا 16 : 11 ).
3 - كان مملوءاً بالايمان والقوة :
ان شجرة حياة استفانوس تمد اصولها إلى الينبوع، عند مجاري المياه، فإذا رأيت فيه الجمال كل الجمال، وإذا رأيت فيه الاخضرار كل الاخضرار، وإذا رأيت فيه البهاء كل البهاء، فالسر أنه لم يأخذ قليلاً من الروح القدس، أو جدولاً ضحلاً من الملء الإلهي، بل أخذ الملء كله. إن كل مؤمن يأخذ من الله شيئاً، لكن الفرق بين مؤمن ومؤمن، هو الفرق بين من يسكن فيه روح الله ومن يمتلئ بروح الله .
نلاحظ كيف جمعت ( الايمان والقوة ) معاً. ان ( الايمان ) ياتي أولاً و ( القوة ) هي نتيجة جانبية للايمان. فان طلبت القوة اولاً فانك لن تجدها. لان ذلك يعني انك انت نقطة الارتكاز وتريد القوة، والمرجح انك تريد القوة لتستخدمها في دعم نفسك. وقد تضع الصبغة ( الروحية ) الى جانب القوة. في قرارة نفسك تكمن رغبتك في ان تحتل انت المركز الحساس وتكون ذلك الرجل الذي يستخدمه الله على نطاق واسع.
اما ان كنت تطلب ( الايمان ) أولاً فعندئذ تكون حياتك متمركزة في الله، لا في ذاتك أي انك تتوق الى نعمة الله وتطلبها، وتجلس عند موطئ قدميه ولا تريد سواه، ثم تأتيك ( القوة ) من الله كنتيجة فرعية لموقفك هذا، فالذين يطلبون القوة لا يجدونها.
اما الذين يطلبون الله أولاً وآخراً ودائماً فانهم يجدونه. ويجدون القوة ايضاً، ومتى اعطيت القوة تستخدمها لاغراض الملكوت، وليست لاغراضك الخاصة. يستطيع الله ان يهب القوة فقط للنفوس الخاضعة المستسلمة التي افلست من ذاتها، واية قوة روحية اخرى هي مجرد قوة بالكلام لا بالحياة.
قال يسوع : " تنالون قوة " فقط عندما تكونون " شهوداً لي " وليس لانفسكم، وما الإيمان إلا أن يطل المرء ببصيرته ويتشدد لأنه يرى من لا يرى، هو انطلاق الرؤيا إلى العالم الأسمى والأعظم والأجل، العالم الابدي، وكان استفانوس يعيش مع هذا العالم وبعمق في حياة الإيمان. لقد رأيناه في اللحظة الاخيرة يرى السماوات مفتوحة، ولنا أن نتأكد تماماً أنه عاش وعينه على الدوام مفتوحةعلى العالم الابدي !!. كما قال المرنم : " ارفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني ".