علينا أولاً معرفة الصورة المثالية للزواج في نظر الرب يسوع... والواجب إتباعها كمبدأ عام لنا وليس كشريعة، فالزواج الذي ينبغي علينا الأخذ به هو قائم على الصورة المثالية للزواج اليهودي... فقد استخدمت كلمة (قدوشين) العبرية والتي تعني تقديس أو تخصيص للزواج، ففي الزواج يصير الزوج مِلكاً للزوجة وتصير الزوجة مِلكاً للزوج... تماماً كما تصير الذبيحة ملكاً لله ومقدسة له.
من هنا قصد الرب يسوع أن يقتبس القول "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً (متى 19: 5) هذا هو الطريق الوحيد والذي يضعه الرب يسوع لنا وعلينا نحن أن نسعى نحو هذا الطريق أو الأسلوب في الزواج إذا ارتضينا أن نطيعه ونسره.
كمال الوحدة بين الرجل والمرأة في الزواج المسيحي ليس فقط من جانب واحد من جوانب الحياة المختلفة... بل الكمال بينهما هو وحدة في كل جوانبها... الكثير يعتقد أن وحدة الكمال بين الرجل والمرأة يتحقق بالعلاقة الجسدية بينهما بل يعتبرونه أمراً هاماً في الحياة الزوجية يتوقف عليها استمرارية العلاقة... لذلك فالحياة الزوجية التي تقوم على الرغبة الجنسية فقط مهددة بالفشل وعدم النجاح.
كذلك نجد عدة أسس مختلفة في العلاقة بين الرجل والمرأة في حياتهما الزوجية وبعيدة كل البعد عن الحياة المسيحية... فمثلاً يعيش شخصان على أساس خضوع واحد منهما للآخر خضوعاً تاماً لكن هذه العلاقة ليست هي بالسليمة... وربما آخران يعيشان على أساس التحفظ والتصنع وتجنب إثارة دواعي المشاكل والتوتر بينهما أيضاً هذا النوع من العلاقات هي علاقة غير سوية ولا سليمة وتؤول بهما إلى الفشل... وقد نجد بين بعض الأزواج مَن يتخذ طريق المعيشة على أساس الحياة الاستقلالية -أي أن كل فرد مستقل عن الآخر رغم أنهما يعيشان تحت سقف واحد- (الانفصال) وهذا أمر غير سليم بالمرة وهذا له أثر سيء وعواقب ضخمة على الأبناء، وعموماً كل طرق المعيشة السابقة لها مساوئ ليس فقط عليهما بل وعلى أبنائهما.
الزواج المسيحي السليم ينبغي ألا يكون السبب في عدم وجود السعادة بين الطرفين... بل هو يعمل على أن يكمل أحدهما الآخر ليشعرا بهذه السعادة... وهذا يستلزم ضرورة بعض التضحيات من كل من الطرفين في سبيل تحقيق وحدة الكمال بينهما.
الزواج السليم هو مشاركة بين الطرفين في جميع الظروف الحياتية، في الحقيقة نحن كمسيحيين دُعينا إلى الحرية... لكن لا نتخذ من الحرية في حياتنا الزوجية ذريعة لإرضاء الجسد بل بالمحبة نكون عبيداً لبعضنا البعض.
وبالرجوع إلى رسالة غلاطية 5 : 16 إلى أخر الإصحاح نجد تلخيصاً كاملاً لطريقة الحياة التي ينبغي لكل شخص فينا أن يسلكها... وبتطبيقها في الحياة الزوجية سنجد أنها ستطابق وستتوافق مع روح الرب وطبيعته، فالسلوك في الروح هو الصورة المثالية لحياة الزواج حيث لا يمكن لطرفي الحياة الزوجية أن يتمم شهوات الجسد لأن الجسد يشتهي بعكس الروح الذي يُعطي سلام.
أما أعمال الجسد والتي تدخل في زرع مشاكل الحياة الزوجية هي كما ذكرها بولس في نفس الإصحاح: زنا، نجاسة، عبادة الأصنام، والعداوة، والنزاع، والغيرة، والغضب، والانقسامات، والحسد، والسُكر، والعربدة... حتى أنه قال "أن الذين يفعلون مثل هذه لن يرثوا ملكوت الله" أما ثمر الروح فهو: المحبة، والفرح،والسلام، وطول البال، واللطف، والصلاح، والأمانة، والوداعة، وضبط النفس... هذه هي ثمار السلوك في الروح والذي بدورها تقوم عليها أسس العلاقات الزوجية السليمة..
هذا يقودنا إلى النتيجة العملية الأخيرة في الصورة المثالية للحياة الزوجية في المسيحية ألا وهي المشاركة والارتباط القائمين على التقديس (قدوشين) بين الرجل والمرأة حيث تقوم المشاركة على أساس اللطف، والرقة، والتقدير، والتضحية، وإنكار الذات... كما أنه لا مكان للأنانية في الزواج المسيحي لأنها هي القاتلة لكل العلاقات الشخصية.
أتذكر كاتباً كانت أمه لها وضع كبير في المجتمعات ذات المستوى العالي معتمدة على جاذبيتها النادرة وجمالها الصارخ بينما كان والده قصير وغير وسيم وبعيد عن هذه المجتمعات... وذات يوم سأل أحدهم أمه قائلاً: كيف تعيشين مع هذا الرجل القبيح وأنتِ في قمة الجمال وموضع حب وتقدير من أغنى وأشهر الرجال؟؟ فأجابته: إن هذا الرجل لم يجرح إحساسي مرة واحدة طيلة عشرتي معهكما أنه هو الذي أعطاني هذه الفرصة لكي أكون معروفة بين هؤلاء القوم، ما أعظمها كلمات خرجت من هذه الزوجة إلى زوجها...
إن أساس الزواج هو بساطة المحبة والتفكير في إسعاد الشخص الآخر قبل إسعاد الذات... المحبة التي تستطيع أن تفهم لتغفر... إنها محبة مثل محبة المسيح الذي نسيَّ نفسه وأضاعها ليجدها في الكنيسة (الشعب) التي أحبها وأسلم نفسه لأجلهــــــــا...
لكن هل تتحقق هذه الصـــــــورة المثاليـــــــة للزواج المسيحي.... وهل يعني هذا أن جميع الأزواج التي تعيش تحت سقف واحد هم في سعادة حقيقية؟ أم نجد شريحة منهم في سعادة زائفة مملوءة كراهية وانشقاقات... هل هذه الحياة تسر الرب؟ بالطبع لا.. إذاً فهي حالة طلاق مُستترة مثلها مثل الطلاق المُشهّر؟؟