أجل خلال القرون العشرين منذ بدء المسيحية وإلى اليوم جاهدت الكنيسة الجهاد الحسن وحفظت الإيمان ودحضت البدع الوخيمة ودحرتها في مجامعها المسكونية والمكانية وحرمتها ومبتدعيها والهراطقة كافة وحددت دساتير الإيمان منذ عهد الرسل التي لخّصها المجمع النيقاوي عام 325 بدستور الإيمان النيقاوي الذي تتلوه الكنيسة في قداديسها وصلواتها اليومية. ولكن إبليس اللعين لا يزال يخدع بعض البشر فيتبعونه ويخضعون لأوامره ويتحوّلون إلى ضالين ومضلّين. وبهذا الصدد يقول الرب يسوع عن الأيام الأخيرة: «لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم»(مت24: 24و25) ويقول الرسول بولس: «ولكن الروح يقول صريحاً أنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلّة وتعاليم شياطين في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم»(1تي4: 1و2) وكأني بالرسول بولس يرى معنا بعض المؤسسات التي تدّعي بالمسيحية في هذه الأيام والمسيحية براء منها لأنها قد حادت عن جادة الحق وخضعت لإبليس اللعين، وتبنّت البدع الحديثة والقديمة، كما انحطت إلى درك الرذائل. والرسول بولس يأمرنا بأن نعزل الخبيث من بيننا، ونعرض عن هؤلاء المحبين للذات دون محبة اللّـه ولهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها (2تي3: 1 ـ 5).
أيها الأحباء: إنها السنة الأخيرة من القرن العشرين، وإننا على وشك أن نضع أقدامنا على أول عتبة من عتبات القرن الحادي والعشرين، والمستقبل مجهول لدينا، وإن قاربنا صغير ونحن نمخر عباب اليم الخِضَمّ الذي لا قرارة له، والعواصف العاتية والأمواج المرتفعة تصدم قاربنا الصغير وتكاد تبتلعه. وقد شابهنا بقلة إيماننا التلاميذ الذين كانوا في السفينة مع الرب يسوع «وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطّت الأمواج السفينة وكان هو نائماً فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين يا سيد نجنا فإننا نهلك فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم»(مت8: 23 ـ 26) لقد بدت قلة إيمان التلاميذ بخوفهم الشديد وهم يتوقّعون غرق السفينة وغاب عن بالهم أنه طالما المسيح في السفينة فلن تغرق أبداً مهما كانت العواصف شديدة وكان البحر هائجاً. وإن الرب يسوع المسيح هو رأس الكنيسة وهي جسده السرّي وهو معها وقد وعدها أنّ أبواب الجحيم لن تقوى عليها فما علينا إلاّ أن نستقبل القرن القادم بإيمان ورجاء ومحبة وأن نؤمن بأن المسيح معنا وإذا كنا قد ابتعدنا عنه كابتعاد الابن الضال عن أبيه في أرض غريبة وتمرغه بالآثام، علينا أن نقتدي به بتأملنا بالسعادة الروحية التي شملتنا يوم كنا في بيت الآب نتمتع بامتيازات البنوة الحقيقية ونتأمل بحالتنا التعيسة ونحن بعيدون عنه، لنرى أن آثامنا قد صارت حقاً فاصلة بيننا وبين إلهنا، وعلينا كالابن الشاطر أن نقوم حالاً ونبدأ رحلة العودة إلى بيت أبينا السماوي ونقول له: يا أبانا الذي في السموات لقد أخطأنا إليك ولا نستحق أن ندعى لك بنين فاقبلنا كعبيدك. وسنرى أن أبانا لا يزال بانتظارنا وأنه سيجدد العهد معنا بإعادته إلينا خاتم العهد ويولم لنا فرحاً، بل أيضاً تبتهج ملائكة السماء بعودتنا إليه لأنها تفرح بخاطئ واحد يتوب وبذلك نعود إلى رتبة البنين ونستحق أن نرث ملكوته السماوي.
لنستعد إذن أيها الأحباء لنبدأ مشوارنا في القرن الحادي والعشرين بإيمان متين ورجاء وطيد ومحبة للّه والقريب وبتوبة صادقة نصوح واثقين أن الرب يسوع هو معنا وأن الروح القدس هو مرشدنا ومعلمنا ومقدسنا. ولنشكرن اللّـه تعالى الذي أبقانا أحياء حتى الآن، ولننتظر مجيئه الثاني الذي لا نعلم متى يكون ولكننا علينا أن نكون ساهرين ولا ننخدع بالمضلين الذين مرات عديدة عبر القرون العشرين، حدّدوا مواعيد مجيئه الثاني وكانوا كاذبين، لأن الرب نبّهنا بقوله: «أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي»(مت24: 36)، «اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم»(مت24: 42). قال الرسول يوحنا في سفر الرؤيا: «هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين»(رؤ1: 7) ويختم رؤياه بقوله على لسان الرب: «أنا آتي سريعاً» ويوحنا يجيب الرب بشوق وإيمان: «آمين تعال أيها الرب يسوع»(رؤ22: 20). إن الرب يسوع لا بد أن يأتي ثانية حسب وعده، ولئن نظن أنه قد أبطأ مجيئه ولكن علينا ونحن نقف على أصابع أقدام الانتظار ناظرين إلى السماء منتظرين مجيئه أن نعيش كما يحق لإنجيل المسيح (في1: 27) مؤمنين أن مسيحيتنا يجب أن تكون منسجمة مع سيرة الرب يسوع المسيح الذي هو رسالة السماء لنا نحن الساكنين في الأرض. فلا بد أن تظهر مسيحيتنا على حقيقتها نقية طاهرة أمام الناس كافة، لأننا سفراء الرب يسوع على الأرض، والرب يسوع الذي يحيطنا بعنايته، ويرمقنا بعين رعايته، يعتبر كل ما يصيبنا من ضيقات أو اضطهادات يصيبه هو بالذات، فقد ظهر لشاول الطرسوسي يوم كان شاول في طريقه إلى دمشق ليضطهد أتباع الرب يسوع هناك وقال له: «شاول شاول لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس»(أع9: 4و5). لم يضطهد شاول الرب يسوع ولكنه اضطهد المؤمنين به ومن هنا نعلم أن المسيحية هي المسيح بالذات، وقد وعد الرب يسوع رسله بقوله: «الذي يسمع منكم يسمع مني والذي يرذلكم يرذلني، والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني»(لو10: 16) فالذي يضطهد أتباع المسيح يضطهد المسيح. فما أعظم محبة الرب للمؤمنين به وما أجسم مسؤوليتنا تجاه هذه المحبة التي يجب أن تقابل بمثلها، فواجبنا نحن المؤمنين به أن نكون أنقياء أتقياء مرضيين لديه له المجد، لنستحق أن نكون شهوداً صادقين له في هذه الحياة الدنيا، متحمّلين المشقات كجنود صالحين (2تي2: 3) متألّمين معه، حتى نكون في مجيئه الثاني في عداد الذين يتمجدون معه (رو1: 11) وارثين ملكوته السماوي.
علينا أن نستيقظ من نوم الخطية ونصحو ونسهر ونحن نحث الخطى نحو القرن الحادي والعشرين بإيمان متين ورجاء وطيد.
أيها الأحباء: إنها أيضاً لفرصة ذهبية سانحة لنا جميعاً ونحن نستقبل الصوم الأربعيني المقدس أن نتوب توبة حقيقية وأن نقرن الصوم بالصلاة وتوزيع الصدقات طالبين إلى اللّـه أن يتقبل صومكم وصلواتكم وصدقاتكم وأن يؤهّلكم لتحتفلوا بعيد قيامته من بين الأموات وأنتم متسربلون بثوب البر والتقوى ومخافة اللّه بنعمته تعالى آمين ܘܐܒܘܢ ܕܒܫܡܝܐ ܘܫܪܟܐ
صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق ـ سورية
في اليوم الثاني من شهر شباط سنة ألف وتسعمائة وتسع وتسعين
وهي السنة التاسعة عشرة لبطريركيتنا
نسخة جاهزة للطباعة
البطريركية لمحة تاريخية الاتصال بالبطريركية أوقات الصلوات في كنائس دمشق وريفها قداسة البطريرك كلية مار أفرام السرياني اللاهوتية لمحة تاريخية عن الكلية شروط الانتساب الكادر الإداري والتدريسي طلاب العام الدراسي الحالي رهبانية مار يعقوب البرادعي أنباء البطريركية بحوث و دراسات الكتاب المقدس اللاهوت والعقيدة التراث السرياني القوانين الكنسية المناشير البطريركية سلسلة التهذيب المسيحي دراسات رعوية ألبوم الصور ابحث في الموقع
اتصل بنا